يتضمن التراث الانتروبولوجي رصيدا كبيرا من المصطلحات الدالة على الطبابة الشعبية المتنوعة. ويظهر هذا التعدد والتنوع في المصطلح الدال على ذات المعالج حينا،
وفي التخصصات العلاجية الشعبية حينا آخر. فالشخص المعالج بالأعشاب والنباتات مثلا يطلق عليه اسم (العشاب) او (العطار)،
ومعالج الكسور والفلتات المفصلية اسم (الجبار)،
والمعالج بالآيات القرآنية اسم (الطالب) أو (الفقيه). وهكذا تزداد المصطلحات المستخدمة تعددا و تقدما داخل الثقافة الشعبية الجزائرية. فما بالنا بالثقافات المغايرة الأخرى. فالشواهد الاثنوغرافية تؤكد على أن المعالجين الشعبيين غالبا لا يقتصرون على حرفة العلاج الشعبي فحسب،
وإنما هم يمارسون حرف أخرى،
علاوة على شغلهم أوضاعا اجتماعية مغايرة. ولعل صورة الفلاح في المجتمع الجزائري أدق مثال على ذلك،
حيث نجده يمارس مهنة الفلاحة ونفس الوقت يمارس مهنة الطبابة مثل:
الختان (الطهارة)،
وتجبير الكسور والكي والحجامة.اقرأ ايضا :
اعشاب وخلاصات طبيعية تعزز صحة العقل ... ومن ناحية أخرى لاحظنا من خلال الدراسة الميدانية الاجتماعية الأولية التي قمنا بها في بعض المناطق (حوض تافنة) على أن كثرة التخصصات العلاجية الشعبية في تزايد، وقد حاولنا حصرها في الممارسات التالية: (1).
- العلاج بالأعشاب والنباتات الطبية.
- العلاج بالكي.
- العلاج بالحجامة.
- العلاج بالوصفات العلاجية الشعبية
- المعالجة بالتجبير (الجبار).
- معالجة اللوزتان (الجياف).
- العلاج بالقرآن الكريم.اقرأ ايضا :
ملامح العلاج الشعبي في منطقة حوض تافنة دراسة ميدانية في الغرب الجزائري ... والملاحظ أن بعض هؤلاء المعالجين الشعبيين يقدمون خدماتهم العلاجية مقابل مبلغ نقدي غالبا ما يكون رمزي أو عيني. في حين يرفض البعض الآخر أخذ الأجرة،
على أن يقدموا خدماتهم للمحتاجين باعتبار أن هذه الخدمة صدقة علم أو محبة له (2). ومن زاوية أخرى لاحظنا تعدد مصادر الخبرة العلاجية لهؤلاء المعالجين الشعبيين ما بين الوراثة والاكتساب،
والممارسة الواقعية (التجريب) واستمداد الخبرة والمعرفة من المصادر المكتوبة مثل الكتب والمخطوطات وغيرها.اقرأ ايضا :
نبات الالوفيرا ... ويتفاوت المعالجون الشعبيون فيما بينهم في حجم الشهرة التي حقوقها ويحققونها. فبعضهم تتجاوز شهرته حدود المنطقة المحلية التي يعيش فيها على مستوى المجتمع الواحد وأحيانا تتجاوز الشهرة حدود المجتمع الكبير إلى غيره من المجتمعات المجاورة. كذلك قد يعتمد بعضهم على مساعدين له في الممارسة مثل (المعالج بالحجامة)، في حين يكتفي البعض بشخصه مثل (المعالج بالأعشاب والوصفات الشعبية).
والواقع أن قضايا الصحة والمرض أضحت تتجاوز النظرة الطبية أو البيولوجية المحدودة،
لتبلغ تأثير العوامل الاجتماعية والثقافية المتنوعة حول الأسباب والوقاية والنتائج. والمجتمع الجزائري مشبع بتراث علاجي شعبي لا مجال لحصره يغطي معظم مجالات الصحة والمرض،
وقاية وعلاجا.اقرأ ايضا :
نبذة عن الزيوت العلاجية واستخداماتها ... إن ممارسة العلاج الشعبي يتطلب خبرة ومهارة قد تكون مستمدة عن طريق الوراثة من أحد الأقارب، أو مكتسبة عن طريق مواصلة القراءة والتحصيل الذاتي. وبعبارة أخرى فإن العلاج الشعبي يتضمن أنماطا عديدة من التخصصات والمعالجات والأساليب والأدوات. ولذلك فقد يشتهر معالج ما في نمط علاجي دون غيره، وعلى هذا فإن الثقافات المختلفة عادة ما تحوي ما يطلق عليه بالتخصص العلاجي. فهناك معالج متخصص في العلاج بالكي، وآخر في الحجامة وثالث في تجبير العظام والفلتات المفصلية، وكلها تخصصات تتطلب الخبرة والتجربة الطويلة. إضافة إلى أن هناك علاجات قائمة على الأساس العقلي والتحصيلي مثل العلاج بالأعشاب والنباتات الطبية، إلى علاجات أخرى تعتمد على تسخير الكائنات فوق الطبيعية مثل علاج السحر والصرع.
وفي ضوء هذا الزخم المعقد يتزايد عدد المعالجين بالأعشاب ومجبري العظام والفلتات المفصلية، والمعالجون بالحجامة، والمعالجون بالكي والمعالجون بالسحر في المجتمع الجزائري.
والواقع أن مفاهيم الصحة والمرض والوقاية والعلاج تعد نتاجا للثقافة السائدة، ولذلك فهي تفسر على أساس المعتقدات الشعبية حول جسم الإنسان وعلاقته بالعالم الطبيعي الذي يعيشه ويدركه، والعالم فوق الطبيعة الذي يعجز عن ادراكه، وما يحويه من الكائنات المتنوعة، ومنها الملائكة والجن. ولا يخرج تفسير المعالج الشعبي عن هذه التصورات، وكذلك تفسير الأفراد لأسباب المرض.
ولعلنا نلاحظ في ضوء نظرية العلامات (Signatures) ونظرية التوازن (Equilibre) (3) في الطب الشعبي يفسر المعالجون – والمرضى – المرض ويشخصون أسبابه. ولذلك نجد المعالج بالكي يرد " لا يفلح الحديد إلا بالحديد " بحيث يفسر الأمراض التي يعالجها بالكي بأنها ناتجة عن عروق لا يتمكن الطب الحديث من علاجها ولا تجدي الأدوية الحديثة معها نفعا، وقد يفلح الكي في إماتة العروق فيموت معها المرض. ولذلك يقوم بكيها بالنار سبع مرات أحيانا حتى يتخلص منها المريض نهائيا.
ومن جهة أخرى فإن المعالج بالكي يرى أن النار عادة ما تكون حارة وجافة، وبالتالي فهي تعالج الجروح والتآليل والأمراض الجلدية والعروق ذات الطبيعة الباردة الرطبة، وهكذا يحدث التوازن في جسم الإنسان ويتخلص من المرض.
وإذا كان السياق الثقافي يفسر أساب المرض، فإنه يقدم – من جهة أخرى – الإشارات التي تقي الإنسان من المرض. وفي ضوء هذا السياق يقرر المعالج بالكي مثلا أن معظم الأمراض التي يعالجها إنما هي ناجمة عن الخوف والبرد وتعرض الإنسان لاذى الكائنات فوق الطبيعة، وعليه تكون الوقاية منها بتجنب الخوف واذى الكائنات فوق الطبيعة والابتعاد عن تيارات الهواء الحارة والباردة التي لا توازن مع حالة الجسم الداخلية.
وبنفس الشاكلة يقدم معالج الصرع النصائح الوقائية التالية لتجنب التعرض لاذى الجن (المس) (4).
- الامتناع عن التطيب والتزين أو استعمال الروائح العطرية.
- عدم استخدام التبخير في المنزل وقت العصر والمغرب، لأنهما وقت مرور الشياطين حسب التصور السائد.
- استخدام بعض الحمائل السحرية مثل الأحجبة، والمحافظة عليها وعدم تعريضها للقاذورات، وخلعها عند الجماع.
- تجنب المرور على المناطق الخربة أو المظلمة، وإن كان ولا بد، فعلى الإنسان أن يكثر من الاستعاذة وقراءة القرآن الكريم.
علاقة العلاج الشعبي بالعلاج الرسمي:
معروف أن العلاج الشعبي إنما يغلب عليه الطابع التجريبي عموما كما هو الشأن بالنسبة (للعلاج بالكي) والطابع النفسي كما هو الحال (لعلاج الصرع)، وأحيانا قد يجمع بين الطابعين. في حين نلاحظ أن الطب الحديث يفتقد وممارسيه إلى الجانب النفسي أي تغلب عليهما العلاقات الرسمية التي تنفر المرض منهما، وتدفعهما للبحث عن العلاج في النسق الطبي غير الرسمي.
وقد تساءل عن السر في لجوء الأفراد إلى المعالج الشعبي ؟ لقد أظهرت الدراسة الميدانية التي قمنا بها، أن هناك عدة عوامل تفعل فعلتها في لجوء الأفراد إلى الطبابة الشعبية ومنها السياق الثقافي، وشهرة المعالج الشعبي، ونوعية المرض، ومدى خطورته، وطريقة آداء الخدمة العلاجية، تزامنا مع النسق الطبي الرسمي نفسه. وبالتالي يمكننا القول بصفة عامة أن أي تقصير في العلاج الحديث، أو تقصير في أدائه، فإنه لا محالة مآله الفشل وفتح مجال لازدهار الطب الشعبي ورسوخه ومصارعته. ويصدق ذلك على المجتمع الجزائري وعلى غيره من المجتمعات الأخرى.
إن طابع الود هو الذي يغلب على طبيعة العلاج الشعبي بالمصاب، فهو يخاطبه بصراحة وبلغة يفهمها الطرفان، ويكسب المريض ثقته فيما يقدمه له المعالج الشعبي، كما يسرد له حكايات وقصص عن مرضى مشهورين عولجوا على يديه ليطمئنه ويستعرض عليه خبرته العلاجية، كما يؤكد له مقدرته على تشخيص المرض وعلاجه. إذن فالعلاقة المباشرة والحارة إنما تعتمد أيضا على أن المريض نتاج لتفاعلات اجتماعية وثقافية، في حين تنعدم هذه العلاقة بين الطبيب والمريض، علاوة على تناول الطبيب للمرض بمعزل عن سياقه الاجتماعي والثقافي، ويصدق ذلك على المعالج بالكي ومعالج الصرع.
وقد حددت لنا الدراسة الميدانية التي قمنا بها بعض الأسباب التي تؤدي إلى لجوء المرضى إلى الطبابة الشعبية والتي يمكن إيجازها في ما يلي:
- طبوغرافية المجتمع الجزائري حيث تغلب الطبيعة الجبلية والتغطية النباتية بمختلف أشكالها وأنواعها، الأمر الذي أدى إلى تشتت السكان في تجمعات قليلة ومتناثرة في أعلى الجبال والهضاب والسهول والشعاب عوامل قد لا تساعد في كثير من الحالات عدم وصول الخدمات الصحية إليها، فتحل محلها الممارسات العلاجية الشعبية حيث تفرض وجودها فتصول وتجول.
- اقتصار النسق الطبي الرسمي على مجرد تقديم الخدمة الصحية دون مراعاة للخلفيات الاجتماعية والثقافية، ولا مراعاة للاعتبارات الإنسانية في النجدة والرحمة فيفقد الطب الحديث صفته الإنسانية وثقة الأفراد المعالجين فيه.
- بطء الشفاء من المرض المزمن، واستعصاء بعض الأمراض على العلاج الطبي الحديث مثل الروماتيزم والعقم والصرع والمس. .. الخ. أمور تدفع الأفراد إلى اللجوء إلى الطبابة الشعبية الضامن للشفاء السريع مثل العلاج بالكي أو الصرع أو تجبير العظام والفلتات المفصلية.
- قلة النفقات التي يتكلفها العلاج الشعبي غالبا، بالمقارنة مع التكاليف الباهضة التي يفرضها الطب الحديث. ومما ساعد على ابتعاد الأفراد عن الطب الحديث غلبة الطابع المادي على الخدمات الصحية التي يقدمها، حيث صار سلعة مرتفعة الثمن يحصل عليها القادرون فقط. أما غير القادرين فقد كفاهم العلاج الشعبي شفاء، والموت راحة ومستقرا.
الخصائص الاجتماعية والثقافية المميزة للمعالجين الشعبيين
تتعدد الصفات التي يتسم بها الأفراد المعالجين الشعبيين في المجتمع الجزائري ما بين النوع والسن والتعليم والمستوى الطبقي.
وقد تحكم هذه الخصائص بعض الاعتبارات الأخرى التي سبق ذكرها ومنها نوع المرض وخطورته، ورحلة العلاج منه، وطبيعة الأداء الطبي الحديث، ومدى توافر خدماته والحصول عليها. .. الخ. وعلى هذا نلاحظ أن متغير النوع ليس فارقا، فالرجال والنساء يذهبون إلى المعالج بالكي، كما يذهبون إلى المعالج للصرع أيضا. أما السن فهو متغير بين الأفراد المعالجين بالكي والصرع. فالكبار والصغار يقصدون هذين المعالجين، إلا أن نسبة كبار السن أعلى من نسبة صغاره. والواقع أن هذه النتيجة تعكس تفاوتا في نقطة البداية العلاجية وسلوك المرض. فالكبار يلجئون مباشرة إلى العلاج الشعبي، فإذا فشل في العلاج اتجهوا إلى الطبيب الرسمي، وعلى العكس من ذلك يلجأ صغار السن والشباب عموما إلى الطبيب أولا، فإذا تباطأ الشفاء عندئذ. ولعل التعليم والسياق الاجتماعي والثقافي للنشأة، دورا في هذا المسلك.
بينما يعد التعليم متغيرا حاسما هو الآخر، فالمتعلمون يميلون غالبا نحو الطب الحديث ويقصدونه عند وقوع المرض. ولكنهم إذا لم يجدوا تحسنا فوريا، فإنهم يقررون اللجوء إلى المعالج الشعبي الأكثر شهرة في تخصصه العلاجي التماسا للشفاء. والملاحظ هنا أن التعليم يكسب المتعلم مرونة في التفكير والتصرف حيال المرض، وبالتالي لا يتحيز لنمط علاجي دون غيره. أما غير المتعلمين فإنهم يقصدون المعالج الشعبي مباشرة، أو بعد تجريب بعض الوصفات والمحاولات المنزلية. من ناحية أخرى نلاحظ أن بعض الأمراض النفسية والعصبية – التي لا شفاء لها عند الأطباء بصورة نهائية – تحتم على المصابين بها اللجوء إلى المعالج الشعبي (معالج الصرع) (5). لأن هذه الأمراض تعتبر اجتماعية النشأة، ثقافية العلاج، لذلك يزداد أفرادها متعلمين وغير متعلمين.
وبنفس الشاكلة يعد المستوى الطبقي متغيرا جوهريا بين المعالجين الشعبيين عموما في المجتمع الجزائري. ذلك أن الطب الحديث باهض التكاليف، ينوء الفقراء عن تحملها، وبالتالي يجدون ضالتهم في العلاج الشعبي، بعبارة أخرى أن العلاج بالكي ليس بعزيز عليهم، والتجبير ميسور الحال، والتداوي بالأعشاب في متناول الأيدي، والعلاج بالقرآن الكريم ليس ببعيد فهو متاح لهم ومناسب لقدرتهم المادية.
والحقيقة أن ملامح مستقبل العلاج الشعبي في المجتمع الجزائري تحددها صورة الحاضر وتبرزها معالم الماضي. لذلك فإن تناول مستقبل الطب الشعبي، يستلزم تحديد واقع الخدمات الصحية الرسمية الراهن وطريقة تقديمها، ومدى تعميمها على القطاعات والفئات الاجتماعية في المجتمع الجزائري، ومدى يسر الوصول والحصول عليها، وحجم تكاليفها المادية وكفاءتها العلاجية.
وفي ضوء الإحاطة السريعة بهذه الموضوعات – ومن واقع الدراسة الميدانية المتاحة عن المجتمع الجزائري – يمكننا القول أن الطب الشعبي ممارسة ظهرت لتبقى، وأن محاولات التحديث وبرامجه الصحية لم تستطيع في كثير من الحالات إثبات جدارتها في ساحة التنافس علاوة على تجسيد الطب الشعبي للسلوك الاعتقادي والتراث الشعبي الراسخ وبالتالي فلا يزحزحه إلا قوة أعتى منه وأكفأ. إن ميكانيزمات بقاء الطب الشعبي في الجزائر أقوى من ميكانيزمات القضاء عليه.
إن ممارسة العلاج الشعبي تعتبر في حد ذاتها البداية الأولى لتطور الطب الحديث، فالمؤكد أن تاريخ الطب الشعبي هو تاريخ الطب ذاته. فالتاريخ سلسلة طويلة من المحاولات والأخطاء، بدأت مع فجر الإنسانية، ولم يكتب فصل الختام فيها بعد (6)، ولذلك فإننا نجد في كثير من الأحيان، نوعا من التعايش السلمي بين هذين النوعين من الطب: الشعبي والرسمي، وإن كانت المواجهة في السنوات الأخيرة بينهما قد اتخذت طابقا أكثر حدة.
إن تزايد الاهتمام بدراسة الطب الشعبي التقليدي والعشبي والسحري حتى تراكمت الدراسات في تلك المجالات، وفرضت نفسها على الساحة الطبية، وعلى القائمين على قضايا الخدمات الصحية الرسمية، وقد ظهر هذان النقيضان في المجتمعات النامية، نتيجة للمواجهة الجديدة بين الطب الشعبي والطب الرسمي، حتى إذا اصطدم الطب الرسمي بالواقع الاجتماعي النامي، كان عليه أن يعيد حساباته في محاولة التكيف معه بصورة أكثر واقعية (7).
من جهة أخرى فقد أوصت منظمة الصحة العالمية في العديد من ندواتها على أن تأخذ الدول بعين الاعتبار – عند وضع خطط تدريب العاملين في المجال الصحي – الدور المفيد الذي يقوم به ممارسو العلاج الشعبي (8). ومرد ذلك أن العالم الغربي قد انتقل اليوم إلى مرحلة ما بعد التصنيع، " فبدأت الدعوة إلى العودة إلى الطبيعة في مجالات كثيرة. .. ومن أوجه العودة إلى الطبيعة أيضا العودة إلى الطب الشعبي أو الطب التقليدي " (9). وقد لاحظت منظمة الصحة العالمية ملامح هذا التطور بداية من 1977، فأصدرت قرارا حثت فيه الحكومات على إعطاء قدر كاف من الأهمية للطب الشعبي، ثم باشرت جهودها للترويج له على الصعيد العالمي فعقدت المؤتمرات، كان آخرها 1984 عن " دور الطب الشعبي في الرعاية الصحية الأولية ". وبهذا الجهد تستطيع المنظمة الإبقاء على الطب الشعبي وإحياءه كتراث إنساني.
وعلى الرغم من اتصال الأفراد الدائم بالطب الحديث، فإنهم لا يزالون يتعاملون مع العلاج الشعبي. وفي مجتمعنا الجزائري ورغم توافر الخدمات الصحية الرسمية في مختلف مناطق الوطن لجميع فئات المجتمع، فإن العديد من الممارسات العلاجية الشعبية ما تزال تساير ركب التطور الصحي. فضلا عن أن الجزائريين لا يقتصرون على مصدر واحد للتداوي من المرض، بل يلتمسون شتى السبل المتاحة سواء كانت استشفاء بالأولياء (10)، أو بالطب السحري (11)، أو العلاج بالأعشاب، أو الوصفات المنزلية وغيرها من الممارسات والطقوس الشعبية.
المعالجون الشعبيون في المجتمع الجزائري وتخصصاتهم
لقد أسفرت الدراسة الاجتماعية الميدانية الأولية للمعالجين الشعبيين عن وجود (21) معالجا من الرجال يتوزعون على ست تخصصات، و(25) معالجة من النساء يتوزعون على تسع تخصصات. وبالتالي يكون العدد الإجمالي هو (46) معالجا، وإن كان الواقع يشير إلى وجود أكثر من ذلك بكثير. غير أنه ليس بمقدورنا معرفة أكثر مما استطعنا معرفته.
وفيما يلي إحصاء بياني لتوزيع هذه الممارسات العلاجية الشعبية:
جدول بياني رقم (01) لممارسة العلاج الشعبي حسب الجنس وحسب التخصص
الترتيب
| الجنس التخصص | المعالجون (الرجال)
| المعالجات (النساء)
|
01 02 03 04 05 06 07 08 09 | العشاب (العطار). المعالج بالــــكــي. المعالج بالحجامـة. الجبـار (التجبير). الطهـار (الختان). الجياف (اللوزتان). القابلـــة (الولادة). المساد(ة) (التدليك). معـالــج الأطــفــال. | 07 04 02 02 01 02 - 02 01 | 06 04 - 03 - 02 05 02 03 |
المجموع |
| 21 | 25 |
| | | | |
والملاحظ من الجدول أن العشاب (العطار) هو التخصص الأكثر انتشارا بين الممارسين المحترفين من الرجال، بينما يتصدر العلاج بالكي التخصصات العلاجية النسائية. كما لاحظنا تفرد الرجال بتخصصات مثل (الطهار والحجام) وذلك بحكم الجنس والتقاليد، بينما لاحظنا تفرد النساء المعالجات بتخصصات علاجية نسائية مثل (القابلة)، وذلك بحكم الجنس والتقاليد وطبيعة المرض والممارسة العلاجية. وقد تشترك مع المعالجين الرجال في بعض التخصصات مثل (التدليك والكي والتجبير).
ومن أهم النتائج التي أوحت لنا بها الدراسة حول هؤلاء المعالجين والمعالجات وملامحهم ما يلي:
1- العلاج بالأعشاب والنباتات الطبية:
تخصص فيه من الرجال (08) معالجين تتراوح أعمارهم ما بين (30-80) سنة معظمهم يتجاوز (50) سنة عموما. أما النساء فهن (06) معالجات تتراوح أعمارهن ما بين (40-80) عاما. الأمر الذي يدل على طول فترة اكتساب المعرفة بالأعشاب وبداية الممارسة العلاجية بعد تقدم السن. ومن جهة أخرى لاحظنا أن الرجال المحدثين على قدر كبير من التعليم الجامعي والعالي، مما يدل على عقلانية العلاج بالأعشاب و النباتات الطبية، ورسوخه في ظل التحديث أمام الطب الحديث على عكس التخصصات الأخرى مثل (القابلة والطهار).
جدول بياني رقم (02) لممارسة العلاج الشعبي حسب الجنس والسن
الســن الجنـس | 30 – 39 | 40 – 49 | 50 – 59 | 60 - 69 | 70 فأكثر | المجموع |
الرجال | 01 | 01 | 03 | 02 | 01 | 08 |
النساء | - | 02 | 01 | - | 03 | 06 |
المجموع | 01 | 03 | 04 | 02 | 04 | 14 |
أما المستوى التعليمي للمعالجين الشعبيين بالأعشاب و النباتات الطبية فإنه يختلف باختلاف الجنس، فالرجال أكثر تعليما من النساء إذ لا تتعدى النساء معرفة القراءة والكتابة على العكس من ذلك فقد نال الرجال قسطا عاليا من التعليم الثانوي والجامعي والدراسات العليا. وهذا يدل مرة أخرى أن التحديث هذا يدعم التقليد ويحافظ عليه في حالة العلاج بالأعشاب.
جدول بياني رقم (03) لممارسة العلاج الشعبي بحسب المستوى التعليمي
التعليم الجنـس | أمي | يقرأ ويكتب | ابتدائي | ثانوي | جامعي | عال | المجموع |
الرجال | 02 | 03 | - | 01 | 1 | 1 | 08 |
النساء | 02 | 04 | - | 02 | - | - | 06 |
المجموع | 04 | 07 | - | 03 | - | - | 14 |
من جهة أخرى يغلب على الممارسين للعلاج الشعبي طابع الوراثة، أي وراثة هذه الممارسة العلاجية عن الأبوين والأجداد، أما الأقلية منهم فقد اكتسبت المعرفة بالقراءة والتحصيل العلمي (التعليم) إلى جانب الوراثة من الأبوين والجدول التالي يوضح هذه الظاهرة.
جدول بياني رقم (04) لممارسة العلاج الشعبي بحسب مصادر الخبرة
مصدر الخبرة الجنس | الوراثة | الاكتساب | الوراثة والاكتساب | المجموع |
الرجال | 05 | 02 | 03 | 10 |
النساء | 03 | - | - | 03 |
المجموع | 08 | 02 | 03 | 13 |
2- العلاج بالكي (باختلاف أنواع الكي) (Point de Feu)
فقد بينت الدراسة أن ممارسيه يبلغ عددهم (13) معالجا منهم (09) رجال، و(04) نساء. والملاحظ أن العلاج بالكي يعتبر تراثا سائدا في المجتمع الريفي عموما، وبالتالي يزداد عدد ممارسيه، إلا أن التحديث العلاجي يحد الآن من هذه الممارسة، والدليل على ذلك أن معظم المعالجين بالكي تتراوح أعمارهم بين (60 و80)، ولا يوجد بينهم أقل من سن (40) سواء من الرجال أو النساء.
جدول بياني رقم (05) لممارسة العلاج الشعبي بحسب مستويات العمر
الســن الجنـس | 30 - 39 | 40 - 49 | 50 - 59 | 60 - 69 | 70 فأكثر | المجموع |
الرجال | - | - | 02 | 03 | 04 | 09 |
النساء | - | - | 01 | 02 | 01 | 04 |
المجموع | - | - | 03 | 05 | 05 | 13 |
ومن أهم النتائج التي بينتها الدراسة أن العلاج بالكي ينحصر في فئة الأميين، وخاصة من النساء، كما لا يحظى أحد الممارسين بمستوى تعليمي أعلى من المستوى الابتدائي. وهذا يؤكد على أهمية الشفاهة والتجربة المباشرة في الممارسة العلاجية، وليس القراءة والتحصيل العلمي، كما هو الشأن بالنسبة للعلاج بالأعشاب.
جدول بياني رقم (06) لممارسة العلاج الشعبي (العلاج بالكي) حسب المستوى التعليمي
التعليم الجنس | أمي | يقرأ ويكتب | ابتدائي | المجموع |
الرجال | 03 | 03 | 03 | 09 |
النساء | 02 | 01 | 01 | 04 |
المجموع | 05 | 04 | 04 | 13 |
أما عن مصدر الخبرة في العلاج بالكي فهو وراثي في أغلب الحالات، ومطلق بين النساء المعالجات فهن يرثن خبرتهن من الأم أو الجدة، والأب أو الجد، وقليل من الرجال من يكتسب خبرته من مصدر خارجي مثل الأصدقاء، أو الجيران وليس الأسرة. وسبب ذلك أن الفارق في الممارسة هو المشاهدة والتجربة، وبالتالي فإن عدد الممارسين قد يقل مع مرور الزمن بوفاة كبار السن من الممارسين للعلاج بالكي.
جدول بياني رقم (07) لممارسة العلاج الشعبي (العلاج بالكي) حسب مصادر الخبرة
مصدر الخبرة الجنس | الوراثة | الاكتساب | المجموع |
الرجال | 07 | 02 | 09 |
النساء | 03 | 01 | 04 |
المجموع | 10 | 03 | 13 |
3- العلاج بالحجامة: (Ventause)
لقد اتضح من خلال الدراسة الميدانية أن حجم تأثير التحديث، قد قلص كثيرا من عدد الممارسين المحترفين التقليديين إلى (03) فقط، رجلان وامرأة، منهم رجل في (40) من عمره وأما الآخران فيتجاوزان سن (70). وحينئذ فإن التحديث أو ما يطلق عليه بعصرنة الحجامة قد زحف واكتسح الحجامة التقليدية، وقد يقضي عليها مستقبلا. وللإشارة فإن الممارسين التقليديين الثلاثة غير متعلمين – شأنهم شأن جيلهم كله – فمنهم اثنان اميان (رجل وامرأة). أما الرجل فيقرأ ويكتب. هذا علاوة على أن مصدر الخبرة موروث من داخل العائلة غالبا.
جدول بياني رقم (08) لممارسة العلاج الشعبي (العلاج بالكي) بحسب المواصفات
المواصفات الجنس | الســـن | التعليم | مصدر الخبرة |
40 -49 | 70 فأكثر | أمي | يقرأ ويكتب | الوراثة | الاكتساب |
الرجال | 01 | 01 | 02 | 01 | 01 | 01 |
النساء | - | 01 | - | - | 01 | - |
المجموع | 03 | 03 | 03 |
4- العلاج بالتجبير (الجبّار) (Ostéologie)
ويمارس رجلان وإمرأة واحدة، حسبما دلت عليه الدراسة الاثنوغرافية. فالرجلان في سن (60) والمرأة في سن (50). وهم غير متعلمين، فالرجلان احدهما أمي والآخر يقرأ ويكتب والمرأة أمية. أما مصدر الخبرة فهو موروث عند المرأة وموروث ومكتسب لدى الرجلين.
وإذا كانت هذه الصورة تكشف عن انحسار ممارسة تجبير العظام، أمام موجات التحديث، إلا أن واقع المجتمع الجزائري يؤكد على رسوخ هذه الممارسة الشعبية وصمودها أمام الطب الحديث بل فقد تتغلب عليه في كثير من الحالات (12)وبالتالي فقد تكون عملية المسح غير شاملة للمجبرين.
جدول رقم (09) لممارسة العلاج الشعبي (تجبير العظام) بحسب المواصفات
المواصفات الجنس | الســــن | المستوى التعليمي | مصدر الخبرة |
50 | 59 | امي | يقرأ ويكتب | وراثة | مكتسب |
الرجال | - | 02 | 01 | 01 | 01 | 01 |
النساء | 01 | - | 01 | - | 01 | - |
المجموع | 03 | 03 | 03 |
5- الطهارة والقابلة (الختان والتوليد) (Circoncision – Obstétrique)
وهما نمطان من الممارسات العلاجية الشعبية، أدمجناهما معا في فئة واحدة باعتبار أن الختام يختص بالذكور، بينما ترتبط القابلة (الولادة) بالإناث، علاوة على أننا نسوق التخصصات العلاجية التي يحترفها الرجال والنساء معا. والملاحظ أن هذين النمطين يتواريان أمام التحديث نظرا لسيادة الخدمات الصحية وتوافر المراكز الصحية والمصتوصفات والمستشفيات الحديثة وتغطيتها بجميع الفئات والشرائح الاجتماعية في المجتمع الجزائري.
ويمارس الختان (الطهار) رجلان أولهما دون (50) سنة، وثانيهما فوق (70) سنة وإن كان الملاحظ أن الأول حاصل على المستوى الثانوي، بينما الثاني يقرأ ويكتب، وكلاهما ورث المهنة عن طريق العائلة.
أما القابلة (الولادة) فهي الأخرى في طريقها للاندثار أمام وطأة التحديث ولذلك نجد قابلتين فقد احدهما دون (60) وثانيهما فوق (70)، وكلتاهما أميتان، وورثنا المهنة عن الأم. وهنا يتضح دور الوراثة في استمرارية هذه الممارسات العلاجية، إلا أن التعليم وانتشار الخدمات الصحية الحديثة، والتحضر وانتشار وسائل الإعلام قد عجلت بانزوائها تحت وطأة التحديث ومع ذلك فهي ما تزال موجودة.
جدول بياني رقم (10) لممارسة العلاج الشعبي (الختان والقابلة) حسب المواصفات
المواصفات الجنس | الســــــن | المستوى التعليمي | مصدر الخبرة |
40-49 | 50-59 | 70 فأكثر | امي | يقرأ ويكتب | ثانوي | وراثة | مكتسب |
الختان | 01 | - | 01 | - | 01 | 01 | 02 | - |
القابلة | - | 01 | 01 | 02 | - | - | 02 | - |
المجموع | 04 | 04 | 04 |
6- الفقيه أو الطالب (المعالج بالقرأن الكريم)
وهذه ممارسة قاصرة على الرجال، وعادة لا يحترفها النساء، ويتصدى لمعالجة الأمراض النفسية والعصبية وحالات " المس ". ويوجد (05) فقهاء (طلبة) تتراوح أعمارهم بين (30) و(60) سنة، كلهم يقرأون ويكتبون ومنهم الحاصل على المستوى الثانوي، وقد اعتمدوا على الاكتساب في تحصيل الخبرة العلاجية. والملاحظ أن هذا التخصص العلاجي قاصر على الملمين بالقراءة والكتابة والمتعلمين عموما، لأن الكتب هي مصدر الخبرة والمعرفة به.
ولذلك نجد أن التحديث يدعم هذا النوع من الممارسة العلاجية التقليدية، على عكس الختان والقابلة أو العلاج بالكي. فالتعليم – أو حتى معرفة القراءة والكتابة – هو مدخل الاحتراف العلاجي، وبالتالي فالتحديث يدعم التقليد، علاوة على ازدهار هذه الممارسة في ضوء أسلوب التنشئة الاجتماعية للأطفال وتدخل الخدم والمربيات في هذه العملية، وكذلك دور السياق الاجتماعي والثقافي للمجتمع الجزائري.
جدول بياني رقم (11) لممارسة العلاج الشعبي (العلاج بالقرآن الكريم) حسب المواصفات
المواصفات البيان | الســــــن | المستوى التعليمي | مصدر الخبرة |
30-39 | 50-59 | 60-69 | يقرأ ويكتب | ابتدائي | ثانوي | وراثة | مكتسب |
العـــدد | 02 | 01 | 02 | 03 | 01 | 01 | - | 05 |
المجموع | 05 | 05 | 05 |
7- المساد (ة) (المعالجة بالتدليك) (Lisseur) (Masseur)
وهذا النوع من الممارسات العلاجية الشعبية يشترك فيه الرجال والنساء. فبالنسبة للممارسة الرجالية ينحصر دور المساد في إعادة الفلتات المفصلية بمختلف أنواعها إلى أمكنتها الأصلية. أما بالنسبة للممارسة النسائية فتنحصر أساسا في معالجة العقم وآلام الظهر والفلتات المفصلية.
والملاحظ أن " المسادة " كانت تجمع فيما قبل التحديث بين التمسيد والتوليد، ثم صارت تقتصر على التمسيد الآن، وان كان هو الآخر يتعرض للانقراض. من ناحية أخرى نلاحظ أن هذا النوع من الممارسة العلاجية قد وافد المجتمع الجزائري بفعل عملية – الاتصال الثقافي بين المجتمعات العربية وذلك حسبما توصلنا إليه من خلال الدراسة الميدانية. وتغلب العملية الوراثية مكانتها بالنسبة للخبرة بالتمسيد. فهناك (03) سيدات يمارسن التمسيد بالوراثة عن الأم والجدة منهن اثنتان أميتان، والثالثة حاصلة على المستوى الثانوي، كما يغلب عليهن كبر السن، ولا توجد عملية تواصل أو استمرارية للممارسة العلاجية الشعبية مستقبلا بين البنات أو الحفيدات وذلك بفعل التعليم والتحديث بشكل عام.
جدول بياني رقم (12) لممارسة العلاج الشعبي (التدليك) حسب المواصفات
المواصفات البيان | الســــــن | مستوى التعليم | مصدر الخبرة |
40-49 | 50-59 | 70 فأكثر | أمي | ثانوي | وراثة | مكتسب |
العـــدد | 01 | 01 | 01 | 02 | 01 | 03 | - |
المجموع | 03 | 03 | 03 |
مصادر الممارسة العلاجية الشعبية في المجتمع الجزائري
تتعدد المصادر العلاجية الشعبية في البيئة الجزائرية، وتتنوع ما بين الأعشاب والنباتات الطبية ومياه البحر المالحة والرمال الممتدة، و الأحجار ذات الاستخدام الطبي، وقد اعتمد المجتمع الجزائري على هذه المصادر في علاجه ووقايته من الأمراض، في الوقت الذي انعدمت فيه الخدمات الصحية الحديثة، فانطلق الإنسان يبحث عن عناصر الطبيعة ليستخدمها في هذه الأهداف. ولذلك فمعظم هذه المصادر ساعدت الإنسان قبل التحديث على التعامل مع صحته ومرضه.
ومن خلال دراستنا الميدانية الاجتماعية الأولية استطعنا أن نصل إلى ما يلي:
1- الأعشاب والنباتات الطبية:
تعتبر مصدر ثري بالفوائد والاستخدمات العلاجية الشعبية، فطن إليها الإنسان منذ القدم فقد قال أبو قراط: " ليكن غذاءك دواؤك. . وعالجوا كل مريض بنبات أرضه، فهي أجلب لشفائه ". وفي الحديث النبوي الشريف: " تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء غير داء واحد. قالوا: ماهو؟ قال: الهرم " (13). وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: " ما ملأ ابن ادم وعاء شرا من بطنه " (14). وعلى ضوء هذا السياق الثقافي الديني المتنوع، التمس الفرد الجزائري الممارسة العلاجية وذلك باستخدامه الأعشاب القريبة من يده.
فالبيئة الجزائرية جدّ غنية بالأعشاب والنباتات الطبية مثل الشيح والحنظل والسدر الذي تؤكل ثماره وتفيد في علاج أمراض الصدر والتنفس وتنقية الدم ومسهلة ومعالجة التبول الفراشي. وحين تغلى قلف الأشجار فهي تفيد في تسكين آلام الإنسان وتقوية الجسم عامة وتلطف درجة الحرارة. كما ينتشر نبات العوسج ( الغرقد عندنا) أو الغرداق الشوكي المعمر وهو مقو عام ومدر للبول ومسهل. أما نبات الجعيدة (حشيشة الريح عندنا) نبات معمر، يفيد في علاج التهابات الأمعاء الغليظة و الحمى والبول السكري. ويعتمد عليه أهل البادية كثيرا في علاج الملاريا. والنساء بصفة عامة يعتمدن على نبات كف مريم (شجرة الطلق، ابو متن الخروة عندنا) في تسهيل عملية الولادة حيث يزيد من حدة الطلق.
كذلك من الأعشاب والنباتات العلاجية المستخدمة في علاج آلام البطن (النعناع والكروية)، وآلام اللوزتين (قشر الرمان)، (والليمون)، وآلام الأسنان (القرنفل)، أي (عود النوار عندما). والربو والحمى (الورد الجاف والجعيدة والقرفة)، والتسمم (الصبّار)، والحساسية (الزعتر) والإمساك وآلام الكبد والرأس (السنا مكي وعين الأرنب، وحبة حلاوة)، والحموضة (الحبة السوداء أو حبة البركة)، وقروح الجلد (زيت الخروع). وسوف تظل هذه الأعشاب والنباتات العلاجية مصدر العلاج الأساسي مهما بلغ التطور الطبي أوجه. ذلك أن أهميتها ما تزال مستخدمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
2- المياه المالحة: (Eau Saumâtre)
المياه المالحة تعتبر ذات أهمية بالغة بالنسبة لجانبها الصحي والوقائي داخل أفراد المجتمع الجزائري، لاسيما في علاج القروح والجروح والتقرحات الجلدية والصدمات القديمة حيث يوضع العضو المصاب في الماء المالح بعد تسخينه لمدة ثلاثة أيام إلى أسبوع حيث يساعد على التئام الجراح وشفاء موضع الصدمات والتشققات الجلدية. وهذه الممارسة ما تزال فارضة وجودها لغاية الآن رغم التطور الطبي.
3- العلاج بالرمال: ( Sablier)
كثيرا ما يتردد عليها أفراد المجتمع الجزائري في مختلف مناطق الوطن نذكر على سبيل المثال لا الحصر (منطقة تاغيت) الجنوب الجزائري حيث يعتمد عليها الجزائريون في علاج آلام الظهر والمفاصل والروماتيزم بأشكاله المختلفة. وكيفيته تتمثل في دفن المريض جسمه بوضع أفقي أو رأسي في الرمال لمدة ساعة يوميا وعلى مدى أسبوع تقريبا ضمن ما يطلق عليه (حمامات الرمل) (15). ومثل هذه الممارسة العلاجية لا تزال متواصلة إلى يومنا هذا في ظل التحديث الطبي والمادي. باعتبار أنها أمراضا مزمنة عجز الطب الحديث عن علاجها بشكل قطعي وفوري.
مجتمع المعالجين الشعبيين:
عادة ما تكتسب الممارسات العلاجية الشعبية شهرتها باتساع مجتمعها واعتقاده فيها. وعلى هذا الأساس فإن مجتمع هذه الممارسات تتعدد خصائصه وتختلف باختلاف انماطه العلاجية، ومدى نجاحها في مواجهة الطب الحديث، وطبيعة المرض ونوعه، كما تختلف كذلك باختلاف عامل السن والمستوى التعليمي والمهنة والأصول الاجتماعية والثقافية للمرضى. ومن خلال الدراسة الميدانية الاجتماعية الأولية التي قمنا بها.